إتحاد كتاب المغرب أو المؤسسة الوهمية-يونس إمغران
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مساحة للنقاش

إتحاد كتاب المغرب أو المؤسسة الوهمية

  يونس إمغران    

*** من العبث أن يستمر اتحاد كتاب المغرب فاعلا في إنتاج ثقافة منغلقة، تنبني على الصراعات المجانية، و تتغذى على موائد الكتابات الرديئة، و تنطلق – دون شعور بالخجل - في التخطيط لبرامج وهمية، و أفكار فارغة لا تصلح إلا للدعاية السياسية المنحطة.. أو في صناعة أحداث لا صلة لها بواقعنا الثقافي، و لا بطموحنا الحضاري.
إن المغرب لم يؤسس قط منظمة ثقافية تجمع تحت أجنحتها مختلف التيارات الثقافية، و لم يتمكن في تاريخه الطويل من دفع كتابه و مفكريه و مثقفيه للعمل جنبا إلى جنب، و وفق متطلبات الروح الجماعية.. صحيح أن المشهد الثقافي المغربي عرف منذ ستينيات القرن الماضي منظمة اسمها " اتحاد كتاب المغرب "، لكنها لم تكن منظمة تنتمي للمجتمع المدني، و لم تكن تمثل سلطة بالمعنى الثقافي، و إنما كانت لونا من العمل السياسي، و إطارا حزبيا للصراع الإيديولوجي، و معارضة - بدون مشروع أو رؤية - للنظام السياسي.
حاول مؤسسها الراحل الفيلسوف محمد عزيز الحبابي رحمه الله أن يذهب بالاتحاد نحو تجسيد عمل ثقافي مشارك بقوة في تنشيط الأفعال السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية للمجتمع، و ذلك من خلال هوية واضحة وشفافة، و مستقلة عن الحزب أولا، ثم الدولة ثانيا، ثم جماعة الضغط ثالثا.
بيد أن الحبابي رحمه الله لم يفلح في الوصول إلى ما كان يحلم به، أي خلق مؤسسة ثقافية حرة و مبدعة و لصيقة بتطلعات الشعب المغربي، و بتحولات مجتمعه الذي كان مولودا لتوه، بعد حقبة غير يسيرة من هيمنة استعمارية قذرة.
إن الحبابي تعرض لخيانة كبيرة من طرف من شاركوه حلم تأسيس اتحاد كتاب المغرب، فانسحب بعيدا عن كل ما يمكن أن يمس عزته الثقافية، و يخدش كرامة ضميره المهني، و آثر بعد ذلك الانخراط في التأليف و الإبداع و محاورة الذات الثقافية من منطلق يجعله أقرب الناس إلى شعبه، شأنه في ذلك شأن محمد عابد الجابري رحمه الله، و عبد الله العروي، و إن كان الحبابي أكثر وفاء للثقافة الحرة، و أشد إيمانا بقيمة تراث الأمة و جدواه، و أبعد الخلق عن السياسوية.
و إذ تحول الاتحاد – طيلة مساره الحياتي - إلى مقاولة حزبية يتناوب على رئاستها حزبان تقليديان، انشق عنه تنظيم آخر أطلق على نفسه اسم " رابطة الأدباء المغاربة "  كمحاولة منه لسحب البساط الحزبي من تحت أقدامه، و من بين أسنانه، و من فوق طربوشه الإيديولوجي، فكانت النتيجة هي أن المغرب ربح مقاولة حزبية ثانية، لا تملك – كالأولى - أي نية أو قدرة على التعبير عن هموم الشعب و مطالبه الجوهرية في العدالة و الحرية و الكرامة.
لذا نعتقد بأن الوقت قد حان للشروع في دفن جثة مؤسسة ثقافية ( اتحاد كتاب المغرب ) لم تكن قط محررة من أوهام الإيديولوجيا، و لم تسلم يوما من تجاذبات الحرب الباردة، و لم تؤمن لحد الساعة بضرورة بناء سلطة ثقافية ديموقراطية مضادة لسلطة الدولة القائمة على الخوف من التغيير الثقافي و استراتيجيته.
فشهادة وفاة الاتحاد حررت بذهاب محمد عزيز الحبابي عن رئاسته، و كان مثقفو المغرب أنذاك، لا يتجاوز عددهم عشرة أو يزيدون قليلا عن ذلك، أما اليوم فإن عدد مثقفيه و مفكريه و مبدعيه و مؤلفيه يصعب حصره، أو الإحاطة به، مما يطرح علينا البحث عن صيغة واقعية لجمع هؤلاء أولا في تنظيمات محلية و متنوعة، و تحت أسماء و عناوين مغايرة، ثم جمع رؤساء هذه التنظيمات في  مؤسسة عامة ذات قوة مادية و مالية و أدبية، لا تدين للنظام السياسي إلا بالحوار و التفاوض، و لا تعترف للأحزاب و النقابات و الجمعيات السياسية إلا بالحدود الفاصلة، و القطيعة المهنية التي قد تسمح فقط ببعض إمكانيات التعاون و التشاور و المشاركة في إقامة دولة الحق و القانون.
إننا في حاجة ملحة إلى مؤسسة ثقافية تحسن صياغة الأسئلة المتعلقة بالإبداع، و التراث، و الحداثة، و مجتمع القراءة، و التغيير الثقافي، و بناء الذات الحضارية بطموحاتها الممتدة في الماضي و الحاضر و المستقبل.. أي نحن في حاجة إلى الوعي بما تقتضيه المسؤولية التاريخية للثقافة، من جهود و حراك و مساءلة، لنعيش عصرنا بندية و كرامة و حرية.   



 
  يونس إمغران (2012-04-17)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

إتحاد كتاب المغرب أو المؤسسة الوهمية-يونس إمغران

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia